Elham Freiha
الـبــدايـــات عام 1935
عاش سعيد فريحه ثلاثة حروب، ونشأ في جوّ من اليتم فيمَا الحرب العالمية الأولى اجبرته على مواجهة المجاعة التي اشتدت بابناء بيروت، واضطرته والعائلة للهجرة الى حماه مسقط رأس أمه.ولكن »المشوار الطويل« الذي انتهى بوفاة الأم والشقيق الأصغر،  حمَّل ابن العاشرة الناجي من موكب الرعيان، في »تل كلخ« الساطي على البقج مسؤولية اعالة النفس والشقيقتين الاصغرينكانت سيرة عمره »من حب الى حب« الشاهد الأكبر على ما عاناه في طفولته، وعلى ما احصاه من معاناة في تفتّح الشباب وقوة الشكيمة والمحتد.

 

 

في هذه السيرة التي كتبها مسلسلة في مجلة »الصياد« يحكي سعيد فريحه واقعية نشأته، بين الأمس واليوم. ويذكر فترات العذاب والدموع والحرمان التي امضاها في تسلّق عتبات العمر والمستقبل، مشيراً الى الظروف القاسية التي عاشها من الطفولة الى الشباب، فيقول: »نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وأنا طفل لا اعي شيئاً. وبعد مضي عامين على نشوبها، بدأت اعي الأشياء، فعرفت ان والدي كان موظفاً في سكة الحديد، ينتقل من محطة الى محطة.واثناء وجوده في محطة الشام، تزوّج فتاة شامية ورزق منها ثلاثة ذكور، هم: رشيد وخليل وجميل.وتوفيت الزوجة فحزن عليها وطلب نقله الى محطة بعيدة فنُقل الى محطة حماه.وهناك، وبعد مدة طويلة، تزوج مرة ثانية ورزق الداعي، وثلاثة اشقاء آخرين«.في اطلالة على الماضي البعيد، يتلمّس سعيد فريحه مشواره الطويل مع العصامية والنجاح، فيتوقّف عند هجرة الوالد الى البرازيل، فيكتب من الذاكرة:»... كنا لا نزال اطفالاً صغاراً، عندما تركنا في بيروت وهاجر الى البرازيل على امل ان يحالفه النجاح هناك ويرسل في استدعاء الأسرة كلّها.وحال دون تحقيق الأمل قيام الحرب واغلاق البحر«.إلا أن والد سعيد فريحه الذي اضطرته ضائقة العيش التي رزح تحتها اللبنانيون تحت حكم الاتراك وشدّة حصارهم لبيروت عكس بهجرته الى البرازيل جواً عاماً من الهجرة اللبنانية الشاملة تحت وطأة الحرب العالمية الأولى، وما خلّفته هذه الحرب من نقمة وتذمر على مستوى المعيشة وغيرها من الأمور النفسية الضاغطة على اللبنانيين. فاضطروا رغبة في رفع مستوى الحياة الى السعي في الأرض. فضلاً عن هذا، «فان في اللبناني من الحيوية والنشاط ما يبعث فيه الطموح فيلجأ الى الهجرة«.هذا الشعور من والده نتلمسه في ما كتب سعيد فريحه:»وانتقلنا من بيروت الى برج حمود الواقعة في حمى كليب، اي في منطقة جبل لبنان الذي تحميه سبع دول. ولكننا لم ننتفع، ولا انتفع ابناء الجبل من الحماية... فقد ضرب الأتراك الحصار على اللائذين بها وراحوا يسوقون الشبان الى الحرب«.إن الفترة التي يشير اليها سعيد فريحه هي، عندما دخلت تركيا الحرب العالمية الأولى (تشرين الأول سنة 1914) الى جانب الالمان حتى ظهور جمال باشا الذي سارع الى احتلال لبنان والغاء استقلاله واقامة حكم عسكري عنيف تضاءل إزاء كل حكم ظالم عرفه لبنان من قبل.هكذا ظلّ لبنان طيلة سنوات ثلاث، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، يرزح تحت نير الحكم العثماني المباشر، فيما كان الصغير سعيد فريحه يرى ما يحصل ويسجَّل في ذاكرته ما سوف يؤثّر تأثيراً مباشراً فيمّا بعد على مجمل ما كتبه في ظلّ الحروب التي عاش تحت وطأتها مناضلاً أو رافضاً لأي هجرة تتركها في الأرض والانسان.هذه المعاناة التي رزح تحت وطأتها ابن العاشرة، تركت في مخيّلته هذه الصورة المظلمة: و»تفشّت المجاعة في جبل لبنان بفعل الحصار، وفضل حماية الدول السبع!وبدأت والدتي تكافح ضد الجوع، جوعها وجوع اطفالها الأربعة، فكانت تأتي من برج حمود الى بيروت لتهرِّب الخبز وتوزّعه علينا، ناشفاً أو مبلّلا بالدموع.»وكنت أنا في السادسة او السابعة، ارافقها في رحلات التهريب، فنسلك في طريق العودة الى برج حمود جسر سكة الحديد القريب من البحر، لبعده عن خط الرقابة والتعرّض لأشدّ انواع العقاب«.ويذكر ابن السابعة هذا الاعصار الأول في حياته، وكأنه يواجه من خلال اختراقه له بالصبر والعناد، اقدار الحياة بالرغيف:»كنا في البداية نهرِّب خمسة ارغفة بمعدّل رغيف واحد لكل فرد في الأسرة. ومع مرور الأيام وشح المخزون من البشالك والمتاليك، نقص العدد فصار ثلاثة ارغفة، ثم رغيفين، فرغيفاً واحداً... وأخيراً لا شيء«.واشتدت المجاعة. واشتد الحصار على بيروت وجبل لبنان. ويذكر الفتى ابن السابعة يوم ضمتّه امّه الى صدرها، مبعدة اياه عن مشهد بعض العمال وهم يلتقطون جثث الجياع من أول طريق النهر ويضعونها في طنابر البلدية.ان قصة الحرب العالمية الأولى في حياة الصغير سعيد فريحه كانت قاسية، وقاسية جداً، لدرجة انه اعترف لاحقاً في »من حب الى حب« يقول:


ويلات الحرب

»... اني خرجت من ويلات الحرب صبياً يتيماً بلا ابوين، ونحيلاً هزيلاً بلا عافية، واكثر من ذلك امياً جاهلاً بلا علم«.لكن الصغير المحبط من حصار الاتراك لبيروت والجبل، سرعان ما وجد نفسه يعمل في النهار ليتعلّم في الليل ولكن على نفسه.والأمر لم يكن سهلاً »والحروف الأبجدية« هي كل ما بقي في ذاكرته من ايام المدرسة التي غادرها عند اندلاع الحرب واغلاق المدارس. فراح »يقرأ ويقرأ« وكأنه في سباق مع الذين يقرأون.وغالباً ما كان سعيد فريحه الفتى يختار مكانه للقراءة تحت قنديل »اللوكس« في الشارع الذي يمتد من أول سوق النجارين الى بيته في الاشرفية.وكان يحدث، كما يروي، ان يقرأ الكلمات ولا يفهم المعاني، »حتى ولا معنى الكلمة الواحدة«.الصغير الهارب من بيروت الى حلب وعى جيداً مراتع الظلم التركي ومظالم جمال باشا في مجلسه العرفي الذي اقامه في عاليه، حيث قضى هذا »المجلس بسجن كثيرين من اللبنانيين والسوريين، وبنفي آخرين واعدام عدد كبير من الذين اتهموا بالخيانة العظمى«. اي المؤامرة على سلامة الدولة العثمانية.هذه المعاناة البائسة حملته على التمرد ورفض فكرة اي محتل اجنبي لبلاده، خصوصاً فكرة انتداب سوريا ولبنان عندما احتل الجنرال اللنبي في شهر ايلول من عام 1918 فلسطين ممهداً السبيل لاحتلال سوريا ولبنان.كانت الحرب العالمية الأولى بداية في حياة سعيد فريحه الطفل، فاكسبته خبرة ووعياً، سواء في هجرته مع العائلة من برج حمود الى حلب، أو في دخوله معترك الصحافة في جريدة »الراصد« لصاحبها الشاعر والأديب ورئيس المجمع العلمي وديع عقل.فقد نبغ الطفل باكراً وشبَّ سريعاً ليحتل في مقالاته الصفحة الأولى في »الراصد«، لقاء مرتب شهري قدره ليرتان عثمانيتان. وسرعان ما أثار انتباه شكري كنيدر صاحب جريدة »التقدّم« الحلبية ففتح له قلبه ودعاه لأن يكون محرّراً فيها.بعد التحاق سعيد فريحه بالجريدة الحلبية وحماسته للكتلة الوطنية وللزعيمين ابراهيم هنانو وسعدالله الجابري، قدّر له في هذه الفترة أن يشهد تحولات كثيرة على صعيد العمل الوطني ضد الانتداب وعلى صعيد المهنة كمحرّر ينشر في غياب كنيدر مقالات واخباراً حرّة جريئة لا تتفق وخطة الجريدة.كان لهذه النقلة النوعية في حياة سعيد فريحه الصحافي، أن قرّبته من جريدة »الحديث« التي كان يصدرها الياس حرفوش ولقائه الأول برياض الصلح فيها. وقد جرَّ هذا اللقاء وراءه تلك الصداقة المتينة، وذلك التعاون الطويل المثمر بين الرجلين. الى أن صدرت »الصياد« عام 1943.

 

 »الصياد« تحمل لواء الاستقلال


حملت »الصياد« لواء الاستقلال، وولدت مع ولادته، شاءها سعيد فريحه ثورة عارمة على رجال الانتداب. وقد تمثلت، أول ما تمثلت في صورة كاريكاتورية نشرتها مجلته تمثل جندياً فرنسياً سنغالياً »يدوس بقدمه العارية على الشعب اللبناني« ويقول:

Moi civiliser vous اي »انا جئت امدّنكم«.

لم يكتف سعيد فريحه بنشر الصورة في المجلة، بل طبع منها آلاف النسخ ووزعها في كل مكان. فقامت القيامة وصدرت الأوامر باعتقاله أو خطفه، حتى »لو ادّى الأمر الى الصدام مع الحكومة اللبنانية« فتوارى عن الانظار، إلا أن »الصياد« ظلت تواصل صدورها »وكأن شيئاً لم يكن« فرأى الفرنسيون ان يشدّدوا حملة التفتيش آمرين زبانيتهم باقتحام البيوت، »بيتي وبيوت اقاربي واصدقائي، وفي هذا كل التحدي لحرمة السيادة والاستقلال« كما كتب سعيد فريحه.

»واتصل الخبر بهنري فرعون، وكان وزيراً للخارجية، فغضب غضبة وطنية مشرفة بدأت باستدعاء المسيو »بار«، من اركان المفوضية الفرنسية، ووجّه اليه الانذار التالي:

»اذا لم أتأكّد، خلال 24 ساعة، من انكم أوقفتم الملاحقة ضد سعيد فريحه، فأنا سأعطي الامر باعتقالك شخصياً واعتقال اثنين معك من كبار رجال السلطة الفرنسية«.

ويرسل هنري فرعون بطلب سعيد فريحه للحضور »فوراً الى سراي الحكومة اللبنانية«، ليقول له امام جمهور من الموظفين والصحافيين:

»اذهب الى مكتبك وأنا اتحدّى الفرنسيين ان يعتقلوك«.

واعتقل سعيد فريحه في الفترة الواقعة بين 1946 و1947 حيث كانت »الصياد« تشق طريقها من غرفة صغيرة في بناية  الصمدي، بيروت. وفي عودة للتذكير بانطلاقة »الصياد« الاولى نشير الى ان العدد الأول منها تألف من 24 صفحة وصدر في بيروت. لكن سعيد فريحه الذي اصرَّ على أن تطبع مجلته »طباعة متطورة« نقل موادها الى مطابع »دار الهلال« القاهرية بتاريخ 6 تموز (يوليو) 1948 محتفظاً بمكاتب التحرير في بيروت.

وطبعت »الصياد« على مطابع الهلال من 6 تموز الى 16 تشرين الاول 1948. وظلّت انطلاقتها من هناك حتى العام 1954.

بعد بناء »دار الصياد« في الحازمية وتجهيزها بمطبعة كاملة تعمل بسرعة 3500 نسخة في الساعة. وبفضل هذه التحديثات التحريرية والتقنية نجح سعيد فريحه في اصدار مجلته بـ 60 صفحة ملوّنة.

و»الصياد« التي رافقت حكومة بشامون والصحوة الوطنية الأولى مع الدستوريين، رأت نفسها تناهض حكم الشيخ بشارة و»تسلطن« الشيخ سليم الخوري على مقدرات الحكم والجمهورية. فاصطدمت بقسوة »الأسرة الحاكمة« وقد دفع سعيد فريحه ثمناً لذلك سجنا. مع ذلك ظلّ يهاجم »حكم الأسرة الواحدة« مثبتاً »انه الصحافي الذي لا يهاب الحاكمين« الى أن غضب السلطان سليم... فغضبت لغضبه جريدة »الوطن« فهاجمته بعنف. وهنا كان على سعيد فريحه ان يرد أو يتهم بالجبن او بالخوف »ليس من الدولة وحكامها... »بل من السلطان سليم الذي كان هو الدولة وهو الحاكم بأمره في لبنان«.

لم ينتظر سعيد فريحه صدور العدد التالي من مجلته ليرد. بل بادر الى اصدار ملحق خاص يهاجم فيه السلطان والأسرة الحاكمة. »فقامت القيامة وانتصب الميزان«. وكانت »المرة الأولى التي يجرؤ فيها صحافي على مهاجمة السلطان...«.

وبيعت النسخة الواحدة من »ملحق الصياد« بخمس ليرات لبنانية، واستمرتّ طباعة هذا العدد من الصباح حتى المساء. ولم تتوقف المطبعة، ولا توقفت شركة فرج الله عن طلب المزيد من النسخ، الا عندما جاءت قوة من البوليس الى مطابع »المعرض« في شارع اللنبي تتلف وتصادر وتأمر العمال بالانصراف.

وقبل المداهمة كان خليل ابو جودة وزيراً للأنباء فأمر الدرك والبوليس بالبحث عن »الصحافي سعيد فريحه«، لاعتقاله بموجب مذكرة توقيف صادرة عن النيابة العامة. فاحتاط سعيد فريحه للأمر متوارياً عن الأنظار قبل صدور الملحق الذي »فجَّر قنبلة ملأ دويها جميع انحاء لبنان«.


إصدارات جديدة


وتتابعت اصدارات سعيد فريحه، رغم الخضات التي عاشها لبنان والمنطقة العربية، لتتوزّع بين الفن والسياسة والاقتصاد، بخاصة بعد تشييد »دار الصياد« في الحازمية عام 1954، فصدرت مجلة جديدة عام 1956 »تؤنس وحدة شقيقتها البكر وتقاسمها الدار الشامخة، هي مجلة الفن والمجتمع والجمال »الشبكة«.

وتحقيقاً لاحلام سعيد فريحه السياسية، وبتاريخ 25 آب 1959 صدر العدد الأول من »الانوار« لتكون صحيفة »للقارىء والقارىء وحده«. وعلى أن تكون ايضاً »جريدة لبنان والوحدة الوطنية والأخوة العربية« وعلى ان يكون »الخبر الصادق شعارها والاتجاه الوطني السليم ركيزتها ورصيدها عند الناس«.

فـ »الأنوار« التي صدرت مباشرة بعد احداث 1958 المأسوية وما خلّفته هذه الأحداث على البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ترسبات، كان صدورها شبيهاً بصدور »الصياد« عام 1943. لأن »الصياد« التي كانت عملاً اعلامياً استقلالياً تأسيسياً ضد الانتداب لترسيخ الوحدة الوطنية بين اللبنانيين من غرفة صغيرة، في حي الكراوية، جاءت »الأنوار« لتتابع مسيرة الوحدة الوطنية، الى جانب شقيقتها البكر ومن دار مستقلة، شاهقة في الحازمية، حيث تلاحقت فيها العطاءات وصدور المجلات الاسبوعية والشهرية المتخصصة.

وما دامت »الجعبة« رحلة الرحلات في حياة سعيد فريحه وجوهر قلبه النابض، فهي ايضاً صناعة كاتب صنعت تاريخاً بدأ مع الحرب العالمية الأولى، حتى بزوغ فجر »الصياد« عام 1943، ليترسخ عام 1954 مع قيام الامبراطورية الصحافية المترامية الأطراف في الحازمية، ويتوسّع من ثم عطاءات واصدارات جديدة تمثّلت في »الشبكة«، »الانوار«، »سمر«، »الدفاع العربي«، »الاداري«، »تقارير وخلفيات«، »سحر«، و»الطيار«، و»فيروز«، و»الفارس« إضافة الى انجازات تمثلت في بناء دار ثانية مجاورة لاستيعاب التقنية الجديدة التي ستكون في خدمة صحافة »دار الصياد« والعصر الذي سوف تتوجه اليه اتقاناً وتمايزاً وخبرة، بعد انتقال ورشة التطوير والتحديث من السلف الى الخلف.


... ويستمر العطاء


- عام 1943 ومع فجر الاستقلال اسس مجلة »الصياد« واشتهرت الشخصية الكاريكاتورية »ابو خليل«.

- اول كانون الاول 43 صدر العدد الاول من الصياد.

- عام 1954 تم بناء »دار الصياد« في الحازمية وكانت »الصياد« في اوائل عهدها تطبع في بناية الصمدي في بيروت.

الادارة الحديثة

- عام 1956 انشأ مجلة »الشبكة«.

- عام 1959 صدرت »الانوار« اليومية التي رأس تحريرها.

عام ٠٦٩١ قرر سعيد فريحه ان يزود »الدار« بالدم الجديد فأسند رئاسة تحرير »الانوار« لابنه البكر عصام والادارة العامة للدار لابنه بسام.

وسرعان ما سرى الدم الجديد في شرايين الدار كلها التي انتقلت الى مرحلة التركيز على المستقبل.

وقد ظهرت آثار النجلين الشابين عصام وبسام فريحه في ارض الدار فورا. واستطاعا باشراف والدهما العميد ان ينقلا وجه الدار الى الفلك العربي والعالمي باسلوب جديد وطريقة مميزة ومفهوم حديث.

عام ٨٦٩١، ادى اتساع نشاطات الدار وتزايد مطبوعاتها الى ان ضاقت بالمحررين والعاملين مما اوجب تشييد بناء اضافي جديد.

- عام 1967 صدر »انوار الاحد« كملحق للصحيفة.

- عام 1970 تم شراء امتياز جريدة »الطيار« لصاحبها نسيب المتني.

- عام 1973 انشئت مجلة »سمر«.

- عام 1973 ايضاً رأت النور »مؤسسة سعيد فريحه للخدمات العلمية والاجتماعية« موزعة خدماتها على المساعدات الانسانية والطبية، وعلى العاملين في حقل التوزيع الصحفي، والصحافة، والابحاث والدراسات العلمية. وقد أعيد تنظيم هذه المؤسسة في وقت لاحق وتحول اسمها إلى  »مؤسسة سعيد وحسيبة فريحه وأولادهما للخدمات الإنسانية«.

- عام 1973 ايضاً انشىء مركز الدراسات والابحاث الذي صدرت عنه سلسلة كتب وثائقية.

- عام 1973 تم انشاء المبنى الجديد لدار الصياد واستقدمت احدث آلات الطباعة.

- عام 1974 اشتركت »مؤسسة سعيد فريحه للخدمات العلمية والاجتماعية« مع »مؤسسة طومسون« البريطانية باقامة دورة تدريبية لمحرري الصحف العربية تعتبر الاولى من نوعها في لبنان والعالم العربي.

- عام 1975 شهد صدور »الاداري« و»وكلي اوبزرفر« و»الدفاع العربي« و»تقارير وخلفيات«.

- عام 1976 تسلمت الادارة ابنته الهام كنائبة للمدير العام.

وكان الى جانب ذلك صديقاً لعدد كبير من الملوك والرؤساء العرب ومشجعاً للفن، اسس فرقة »الانوار« للرقص الشعبي وكان عضوا في لجنة مهرجانات بعلبك. القى عدداً من المحاضرات في الجامعات اللبنانية واشتهر باسلوبه الساخر وبحبه للجمال اللذين اتسمت بهما مقالاته الشهيرة تحت عنوان »الجعبة«. ناضل من اجل لبنان والوحدة الوطنية وعمل في سبيل ذلك طيلة حياته.

وفي هذا الاطار خاض تجربة الانتخابات النيابية مرتين الاولى عام 1947 والثانية ٢٧٩١ ولم يفز في كلتيهما. كما سجن في حياته خمس مرات وتعرض للاغتيال اثنتي عشرة مرة.

- توفاه الله في 11 آذار 1978.

صدر عن دار الصياد بعد رحيله:

- مجلة »سحر« عام 1980.

- مجلة »فيروز« عام 1981.

- مجلة »الكمبيوتر والالكترونيات« عام 1984.

- مجلة »فارس فيروز« عام 1985.<

 

 

سعيد فريحه ومدرسة الابداع

٢٢ تشرين الثاني 1943

 

فتح سعيد فريحه »الصياد« أمام المواهب كلها. ولم تكن في وثبتها الأولى سوى تجربة رائدة و»لغة تفهم وتهضم« لا »لغة تسبب انتفاخ الكبد«.

وسعيد فريحه الذي انتسب الى الاستقلال الوطني مع اطلالة »الصياد« عام 1943، انتسب الى الديمقراطية الصحافية التي مارست في أقل فترة من شرارتها تأثيرها على رجال الاعلام الوطنيين، وكوكب حول مجلته الفتية أقلاماً مبدعة، مؤثرة ومؤاتية لبلورة مدرسة الاستقلال اللبناني التي انتمى اليها.

وبعيداً عن الحس الطائفي التزم سعيد فريحه بالوطن وكان لحماسته وظرفه الوهج والبريق في تحويل مجلة اسبوعية الى خط دفاعي اعلامي أول عن الشعور الوطني والتزامه بالقضايا العربية  الكبرى كتب فيها: شيخ الأدباء اللبنانيين مارون عبود، وشاعر الشعب عمر الزعني وسعيد تقي الدين وسعيد عقل وأمير الشعراء الأخطل الصغير ونزار قباني وعمر ابو ريشة وبدوي الجبل، وأسماء كثيرة من السياسيين والأدباء  في طليعتهم الرئيس تقي الدين الصلح، النائب أدمون رزق، الياس ربابي وخليل تقي الدين ومنح الصلح وتوفيق يوسف عواد.

و»صياد 43« التي حملت بذرة التحوّل في صحافة لبنان السياسة والاستقلال والحرية، حملت أيضاً الى القرّاء نكهة جديدة في التعامل مع الحدث والخبر، مع المجتمع ومع القضايا المصيرية حتى صارت مدرسة في الصحافة ينضوي تحتها كل ناشىء باحث عن مستقبل، او كل مبدع يريد ايصال كلمته الى حيث يقدّر لها أن تكون.<

 

»الجعبة« رحلة الرحلات في حياة سعيد فريحه منذ العام 1943

 

منذ تأسيس  »الصياد « ورحيله، 36 سنة أمضاها سعيد فريحه في الكتابة والخلق الأدبي. علاقة حميمة بينه وبين القلم ، بينه وبين القراء، أثمرت علاقة وطيدة فارتاحوا اليه وادمنوا كتاباته ومقالاته مهما تنوعت واختلفت، وكان هو دائماً على الموعد. الجميع كانوا  ينتظرون  ما سيكتبه سعيد فريحه، من المؤيدين والمعارضين، من الاصدقاء والاعداء، من المسنين والشباب، والسبب ان اسلوبه تميّز بقربه من الجميع، ولو ان بساطته لم تكن متاحة لحملة الاقلام، فهو كان اقرب الى »السهل الممتنع«، ويجمع خفة الروح وجدية التعاطي، ويحمل قضايا واهتمامات الناس السياسية والمعيشية والاقتصادية والبيئية وغيرها ويلقيها كما هي من دون مواربة على من يتحمل مسؤوليتها، ومع ذلك اتصفت كتاباته ومقالاته بأنها »تجرح دون ان تدمي«. 36 سنة في صحافة الدار لا يمكن اختصارها بعدد من المقالات او بأسطر وصفحات قليلة، ويبقى الاختيار هو الملاذ الوحيد لمواجهة هذه المعضلة، فكانت مقالات مختارة كتبها سعيد فريحه على مدى 36 سنة وتحديداً من العام 1943 وحتى العام 1978، بمعدل مقال لكل سنة. لا تنحصر هذه المقالات بموضوع واحد، فهي ولكونها مختارة، تغطي مواضيع عدة من السياسة الى الاعلام والعائلة والحب والاقتصاد والدين والادب وغيرها... ميّزت تلك الحقبة التي واكبها سعيد فريحه بحلوها ومرّها وعكسها في مقالاته التي كتبها قبل ان يتوقف قلبه عن العمل.<

 

الأعمال الكاملة لسعيد فريحه

> الجزء الأول  من حب الى حب

> الجزء الثاني  1943 - 1951

> الجزء الثالث 1952 - 1956

> الجزء الرابع 1957 - 1961

> الجزء الخامس  1962 - 1964

> الجزء السادس 1965 - 1968

> الجزء السابع 1969 - 1978

> الجزء الثامن مذكرات مدام X

> الجزء التاسع رحلات

> الجزء العاشر في باريس

 
١٩٧٣: البناء الجديد


عام ١٩٧٣ أسست دار الصياد مركز الدراسات والابحاث الذي أصدر سلسلة من الكتب الوثائقية. ومع هذا التوسّع الكبير، بدت الحاجة ماسة الى مقر جديد يتسع لكل هذه النشاطات، وبدأ بالتالي انشاء مبنى قريب من المبنى السابق لايواء موظفين جدد ومنشورات جديدة. وبوشر بتشييد مبنى جديد للدار وفق أحدث الاسس العصرية المستخدمة في بناء المكاتب. والى ذلك ايضا احدث وافخم آلة طباعة في الشرق الاوسط هي غوس سيغناتشر التي تطبع بمعدل ٣٠ الف نسخة في الساعة ٤ الوان مع جهاز تنشيف.
والى ذلك ايضا بدأت الدار تقليداً جديداً وهو اصدار كتب سنوية، الغرض منها ان تقدم للمعنيين بشؤون السياسة والاجتماع والاقتصاد والفن مرجعاً شاملاً ومتكاملاً عن الاحداث وتطوراتها وتفاعلاتها واتجاهاتها.
ولقد كان هذا النتاج من نشاط مركز الدراسات والابحاث الذي انشأته الدار وضم المحفوظات والوثائق والدراسات التي تقدم للباحثين والعاملين في الدار، بالاضافة الى الباحثين من خارج الدار، الذين كانوا يفدون لاستخدام مراجع المركز ومكتبته الكبرى. والى جانب الكتب السنوية فقد اصدر المركز كتابان:
الاول عن حرب تشرين ١٩٧٣ بعنوان الشرارة.
والثاني وثيقة حرب لبنان وهو كتاب وثائقي جامع ومتكامل وموضوعي عن حرب لبنان ويضم ١٣ خارطة ثلاث منها مطوية كبيرة عن مختلف جوانب الحرب وسير المعارك.

❊ الاول عن حرب تشرين 1973 بعنوان »الشرارة«.

❊ والثاني »وثيقة حرب لبنان« وهو كتاب وثائقي جامع ومتكامل وموضوعي عن حرب لبنان ويضم 13 خارطة ثلاث منها مطوية كبيرة عن مختلف جوانب الحرب وسير المعارك.<

 

عصام وبسام وإلهام فريحه
١٩٦٠: الإدارة الحديثة، دينامية وطموح وشجاعة

 

ومع ان بسام فريحه العائش ك ابن بطوطة في ترحاله من بلد الى بلد ومن قارة الى قارة، ومن وطنه الى كل الدنيا، لم يتخل في اسفاره العديدة عن عمق صحافة ابيه الاستراتيجي في الحازمية، وانما كان يطل من سنوات الحرب في البلد الحبيب لبنان ليعطي هذه المنارة، في صرح الكلمة والحرية، جهده الأكبر، سهره وخبرته كاعلامي اول، تطويراً في الانتاج والادارة والتكامل الاقتصادي الذي يوفر الرأسمال لنجاح الصحيفة والمجلة والمطبوعة والاصدارات المتلاحقة، يومياً، اسبوعياً وشهرياً.
ولكي يبقى بسام فريحه قريباً من صياد ابيه، ومتناغماً في احلامه، مع فكرة توسيع وتطوير الامبراطورية الصحافية، مزج بين الداخل والخارج، اي ارتأى أولاً ان تنقل مجلة الصياد الى باريس وتتابع صدورها من هناك. على أن تبقى على صلة عميقة مع تاريخها في دار الصياد بالحازمية وسريعاً نمت الصياد بنمو مطبوعات كثيرة على يديه في صرح سعيد فريحه الأصلي، لتنتقل ثانياً الى لندن مع تجهيزات جديدة، وأقلام جديدة، وطباعة فنية واخراجية متقنة.
وفيما كان الرئيس المدير العام يناضل مادياً وروحياً في الخارج، ويبذل في سبيل المجلة الأم كل غال ونفيس كان على تنسيق دائم مع الداخل في الأسرة الاصلية في دار الصياد لتطوير آلية الصدور الجديدة لكل مطبوعة هي بحاجة الى تطوير، تغيير او امداد بمال وبعناصر بشرية كفوءة لتظل الشعلة متوقدة في الوطن، وعجلة الانتاج المثمر في دار سعيد فريحه تدور.
فرسم خطة مستقبلية للإبقاء على العطاء مستمراً داخل لبنان. وباندفاع اكبر رغم الحرب المستعرة. لأن قناعته كانت تردد بأن القاعدة هي دار الصياد الحازمية والخارج العربي والعالمي هو العمق التواصلي الذي يبقي صحافتنا دائمة الحضور والانتشار.
من هذا المبدأ العملي وسّع بسام فريحه حوار الداخل مع الخارج. وكان في لقاءاته الدائمة مع الأسرة الصحفية في دار الصياد، وبخاصة مع اخويه عصام والهام، يركز على هذه الفكرة العملية، وما يترتب عليها من انتاجية متطورة في الشكل والأساس.
وعوض ان يتخلى بسام فريحه عن صحافة أبيه ويبقي على اصداراتها متواضعة في حرب لبنان، اكبر فيها العزم على التطوير والتحديث والاختصاص متواصلاً في أفكاره المستقبلية مع عصام والهام. فعصام فريحه الذي واظب مع الرفاق على ان تبقى الأنوار اليومية في مرافقة الحدث والخبر والرأي السياسي الليبرالي المستقل، واظب أيضاً على أن يكون الرمز الذي يحتذي به كل مسؤول ومحرر في دار الصياد محاوراً وصديقاً يتلقى القذائف والأخطار كأصغر عامل في المطبعة ويعاني المأساة اللبنانية قدراً ووجوداً وواقعاً أليماً مع كل عائلة من اسرة الصحافة الكبيرة في الدار المطلة على الخطر الحربي المتمادي يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة.
وكان بذلك سنداً قوياً في مواجهة الصعاب. كما كان العقل العملي والحكيم في اعطاء الأنوار صفة الهدوء والتوازن والميثاق الاعلامي اللبناني والوفاقي لجميع اللبنانيين.
لهذا كان ضرورياً على دار تتواصل مع حقيقتها ورسالتها الاعلامية المحافظة والمستقلة داخلياً، أن تمد ديمومة هذا التواصل من الخارج الذي يمثله بسام فريحه حضوراً وقوة مادية وحضارية تنويرية فاعلة، في آلية ادارية متحركة، بين مكاتب لندن وباريس وكل العواصم العربية التي هي المحيط الاستراتيجي لاصدارات دار الصياد الطباعية.
لكي تلبي هذه الآلية المتحركة حنكة ودراية وصبر وعناد بسام فريحه، كان على الداخل في دار الصياد ان يشهد قفزات وقفزات تلبي هذه الدينامية المتوثبة المندفعة التي يقودها الرئيس المدير العام في الخارج، وتصبح عروة وثقى تتم على اساسها الورشة الصحافية المتكاملة.
ومع ان الأيام كانت ايام حرب وشقاء وهجرة وتهجير كان الوطن يكبر في عيني بسام فريحه، ليشهد على يديه اعلامياً، اصعب معركة في تاريخ دار الصياد الحديث.
ومعركة بسام فريحه لم تكن من العيارات الحربية الثقيلة الأحجام، وانما كانت من ورود الكلمة. هذه الكلمة المعجونة اصلاً بقلم سعيد فريحه الاستقلالي، الوفاقي، الوطني الحر.
ولكي يضعها موضع التنفيذ محض شقيقته الصغرى والوحيدة ثقته ودعمه المادي والمعنوي، فتواصل الخارج مع الداخل وشهدت دار الصياد وبإيعاز من الرئيس المدير العام هذه النهضة الداخلية التي ظهرت بوادرها مع تسلم الهام فريحه لنيابة المدير العام.
وكان ان بدأت الورشة وبدأ التحديث.

الفجر الجديد
روح التطوير

 

نشأت الهام فريحه على الصحافة واتقنت أحلامها، ومن واقع الى حقيقة راحت تغوص اكثر فأكثر في هموم دار الصياد وقضاياها الادارية والاعلامية. ومع اشتعال الحرب في لبنان عام ١٩٧٥ شعرت ان المسؤولية تدعوها، هذه المرة، الى الصمود مع اسرة سعيد فريحه والعمل من لبنان، حلم ابيها وواقعه ومرتجاه، ومتابعة اصدار الصحف والمجلات مع مجموعة من الرفاق ارتضت ان تبقى الى جانبها ملتزمة رسالة الصحافي وواجبه تجاه امته وشعبه وأرضه، عندما كان يحدق الخطر بالأمة والشعب والأرض، والحرب تحرق كل شيء، الا العزيمة التي من صلب الارادة القوية تقوى على الصعب وتلزم الشجاعة بها، بصبرها وعنادها وايمانها الذي هو ايمان البقاء والتجذر بالأحلام الكبيرة.
فإلهام فريحه التي حولت هذه العزيمة في الفترة الصعبة، الحرجة والمظلمة على لبنان، الى ارادة عمل، حولت ايضاً وجودها كإعلامية اولى في دار الصياد تبث روح التغيير والتطور وتضفي على الجميع لمسة حنان ومعاضدة ومشاركة وحساً بالمسؤولية لا يوصف بكلمات.
انها المرأة الدينامو، أخت الرجال في الشدائد. صمدت في مواجهة عوائق الحرب ومتاريسها طوال سنوات الحرب، ولم تبرح مكانها في الحازمية حيث تقيم، حتى في أحلك الجولات القتالية التي كانت تستعر بالقنابل والقصف من بعيد او قريب حول مستديرة دار الصياد او على الدار نفسها.
لقد وقفت كالأشجار تعاند قدر الحرب وظروفها مع حفنة صغيرة من الرفاق، مصممة على ان تبقى الرسالة الصحافية رمز الوفاق اللبناني، والحرية رمز الوطن والشعب، والشجاعة متراساً متقدماً لدعم ارادة الانسان اللبناني وبقائه في أرضه سيداً لا ينازع رغم الحرب والقنابل والبؤس والتعتير والهجرة المستمرة من مكان الى مكان.
هكذا استطاعت الهام فريحه وبالاتفاق مع الرئيس المدير العام ان تبقي على الشعلة متوقدة، في أحلك الأيام وأعتى الملمات، وأصعب المهمات، وأدقّ الظروف، لأن التضحية في أعماقها كانت نوراً حقيقياً للمعرفة، والعالم الذي حصرت ذاتها فيه أدخلها هذا الهدف الصعب لاجتياز الطريق، حيث الحياة كانت لها أكبر من الحرب، ودائرة العطاء أسمى من جميع القنابل.
في وسط الحرب تألقت الهام فريحه وشهدت دار الصياد على يديها عصرها الذهبي، فالحرب التي أخافت الحجر والبشر، والحرب التي هجّرت وقتلت، قسّمت ويتّمت، صهرت هذه المرأة بشجاعة قل نظيرها.
والخلف الذي يتمثل اليوم ب الترويكا عصام وبسام والهام، ومن ضمنها الهيكلية البنيوية العامة ل دار الصياد الاسرة الكبرى وعى واقع المؤسسة واعادة تنظيم وتطوير وتحديث البنية العامة للنظام المعمول داخلها من حالة الى حالة، ومن نهوض الى انطلاق، فكان النمو الاقتصادي المطلوب وكان التوزان في البنية التحتية ال Infrastructure تخطيطا وتنظيما على اساس ترسيخ رفاهية وحضور الفرد في الكوادر الصحفية كل مطبوعة وفي الادارة المحاسبة. المطبعة، الجسم الاعلاني والعمال، وفي البنية الفوقية Superstructure رسم اطر جديدة للعمل افعل نموا ومساهمة في اعادة تحريك خصائص كل دائرة ومطبوعة انعكاسا للتنوع والخبرة وزيادة فعالية الانتاج في المؤسسة كوادر عمال ومؤهلات عليا Cadres Superieurs et qualifies.


الحرب ١٩٧٥ - ١٩٧٦

 

كان عام ١٩٧٥ بداية الحرب الرهيبة التي عصفت بلبنان، وسقط فيها آلاف الضحايا وتهدمت الأسواق التجارية واحترقت الفنادق والمصانع والمؤسسات.
ولم يكن نصيب دار الصيّاد بأقل مما أصاب الكل، وقد دفعت الدار الضريبة التي فرضها القدر على البلد فكانت فادحة ومرهقة وخطيرة.
فقد فُجعت الدار بفقدان رفيقين سقطا صريعي إيمانهما بعملهما ومؤسستهما ووطنهما، هما نبيل حسن وكميل الحسنية فكانا شهيدي صحافة.
وقاسى الناجون من الرفاق الأهوال والمشقات وخطر الموت الدائم حتى يستمروا في الوصول الى الحازمية.
وتعرضت مكاتب الدار والمستودعات والأبنية لإصابات متعددة وحرائق دائمة، وقد بلغت قيمة هذه الأضرار والخسائر عامي ١٩٧٥ - ١٩٧٦ حوالى ٣ ملايين ليرة لبنانية نصفها على الأقل قيمة ورق أُحرق في مستودعات المرفأ ومستودعات الدار الخاصة، وأصبحت مكاتب سان شارل أثراً بعد عين، وعرّيت مكاتب صمدي وصالحة من كل ما كان فيها من تجهيزات.
ومع ذلك ظل النبض حياً في هذه المؤسسة، واستمرت الأنوار والصياد والشبكة وسمر في الصدور بفضل الروح النبيلة والفدائية التي تجلّت في نفوس المحررين وثقتهم بالوطن والمستقبل والمبادرات الشجاعة التي قامت بها الإدارة العامة في أحلك الظروف.
وفي هذا الظرف العصيب بالذات تولت مهام نيابة الإدارة العامة لدار الصيّاد السيدة إلهام فريحه التي استطاعت بفضل شجاعتها وإيمانها ورباطة جأشها ان تتحمل الكثير من المشاق والأخطار، وتدير شؤون الدار أحسن إدارة، وتحمل بالتالي لقب بطلة الصمود!
وعندما استمر لظى الحرب، بكى سعيد فريحه وانهمرت من عينيه دمعة الرجل الجبار الذي يحبس الفيضان.
لبنان لا يستحق هذه الحرب. هكذا كان يقول... ولما بلغ به اليأس حدّه، كتب في الانوار مقاله الشهير يا رب الذي قال فيه: لم يعد لنا سواك يا رب!
وأشفق الرب على لبنان يومها ودخلت قوات الردع العربية الى الأراضي اللبنانية وأوقفت الحرب ولكن، الى حين...
وللمناسبة، فإن ما كان كتبه سعيد فريحه في حكايات الأسبوع بجريدة الانوار، يعتبر من أروع ما كتب في حياته.
وكانت الصيّاد وشقيقتها الشبكة تحرصان على نقل ما كان يكتبه سعيد فريحه في الانوار الى صفحاتهما، تعميماً للفائدة وكسباً لمزيد من القرّاء.